شهدت أسعار الفضة تراجعًا حادًا بعد أن تجاوزت مستوى 80 دولارًا للأونصة لأول مرة في تاريخها، حيث اتجه المتداولون إلى جني الأرباح عقب موجة صعود قياسية غذّاها اختلال هيكلي واضح بين العرض والطلب. سجل المعدن الأبيض انخفاضًا تجاوز 5% خلال تعاملات يوم الإثنين، بعد أن كان قد لامس في وقت سابق من الجلسة مستوى تاريخيًا بلغ 84 دولارًا للأونصة. تحركت الأسعار بشكل متذبذب صعودًا وهبوطًا حول إغلاق الجلسة السابقة، في ظل بيئة داعمة للمعادن النفيسة نتيجة ضعف الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وهو ما عزز موجة الصعود الموسمية في نهاية العام التي دفعت الفضة والذهب إلى تسجيل قمم قياسية خلال الأسبوع الماضي. جاءت التقلبات الحادة في الأسعار عقب تعليق أدلى به إيلون ماسك خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث سلط الضوء على حالة الهوس المتزايدة لدى المستثمرين تجاه المعادن النفيسة، وأشار ماسك إلى أن القيود الصينية على الصادرات ليست أمرًا إيجابيًا، مؤكدًا أن الفضة عنصر أساسي في العديد من العمليات الصناعية. في ظل التراجعات الحادة للفضة بعد تجاوزها حاجز 80 دولارًا، مدفوعة بعمليات جني الأرباح وتصاعد المخاوف من فقاعة مضاربية، تزداد الحاجة لأدوات تحليل تميز بين الاختلال الهيكلي الحقيقي بين العرض والطلب والمضاربة المفرطة. منصة إنفستنغ برو المتاحة باللغة العربية تقدم لك هذه الرؤية المتوازنة عبر WarrenAI المدعومة ببيانات مباشرة، مع خصم يصل إلى 55% خلال عروض العام الجديد.

السياسات الصينية وحدود التأثير

تُعد الإجراءات الصينية امتدادًا لسياسات سابقة، وكانت قد أُعلنت لأول مرة من جانب وزارة التجارة في 30 أكتوبر. ورغم أن الصين تُصنف ضمن أكبر 3 منتجين عالميين للفضة، وغالبًا ما يكون إنتاجها ناتجًا ثانويًا عن معادن صناعية أخرى، فإنها في الوقت ذاته أكبر مستهلك عالمي، ما يجعلها ليست مصدرًا رئيسيًا للتصدير. يرى محللون أن الأجواء المضاربية في السوق قوية للغاية، وأن الحديث عن تشديد صيني محتمل على الصادرات يفتقر إلى الأساس الواقعي، ويشير هؤلاء إلى وجود مبالغة واضحة في المخاوف المرتبطة بضيق المعروض الفوري، وصلت إلى مستويات مبالغ فيها. في هذا السياق، بدأت بعض البورصات التحرك للحد من المخاطر، إذ أعلنت مجموعة CME عن رفع متطلبات الهامش لبعض عقود الفضة الآجلة في بورصة كومكس اعتبارًا من يوم الإثنين، وهي خطوة من شأنها تقليص حدة المضاربات المفرطة في السوق.

موجة صعود مدفوعة بالسيولة والسياسات النقدية

يمثل التسارع القوي في أسعار الفضة تتويجًا لعام كامل من المكاسب في أسواق المعادن النفيسة، حيث كانت الفضة في ذروة صعودها تتجه لتحقيق أفضل أداء سنوي لها منذ عام 1951. وجاءت هذه المكاسب مدفوعة بزيادة مشتريات البنوك المركزية، وتدفقات قوية إلى الصناديق المتداولة في البورصة، إلى جانب 3 تخفيضات متتالية في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. تدعم أسعار الفائدة المنخفضة المعادن التي لا تدر عائدًا، مثل الفضة والذهب، في ظل انخفاض تكلفة الفرصة البديلة، ويراهن المتداولون على استمرار هذا الاتجاه مع توقع مزيد من خفض الفائدة خلال عام 2026. ويحذر محللو الأسواق من أن ما يحدث في سوق الفضة قد يمثل فقاعة من جيل كامل، في ظل استغراق تطوير المناجم الجديدة ما يصل إلى 10 سنوات، وتدفق رؤوس الأموال نحو المعادن النفيسة بوتيرة متسارعة، وهو ما يجعل من الصعب التنبؤ بتوقيت انحسار هذه الفقاعة.

توترات جيوسياسية ودور الملاذ الآمن

ساهمت التوترات الجيوسياسية الأخيرة في تعزيز جاذبية المعادن النفيسة كملاذ آمن، خاصة مع تصاعد الاحتكاكات في فنزويلا في ظل الحصار الأمريكي لناقلات النفط، إلى جانب الضربات التي شنتها واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية في نيجيريا. في الوقت ذاته، سجل الدولار تراجعًا بنسبة 0.8% خلال الأسبوع الماضي، وهو أكبر انخفاض أسبوعي منذ شهر يونيو، الأمر الذي يدعم عادة أسعار المعادن النفيسة المقومة بالدولار. تتفوق الفضة على الذهب لعدة أسباب، أبرزها ضيق السوق وسرعة تلاشي السيولة، إذ يعتمد سوق الذهب في لندن على احتياطيات ضخمة تُقدّر بنحو 700 مليار دولار يمكن ضخها في السوق عند الحاجة، في حين لا يتوافر احتياطي مماثل للفضة. وقد شهد السوق بالفعل اختناقًا في المعروض خلال شهر أكتوبر، مع تدفقات كبيرة إلى مخازن لندن منذ ذلك الحين. أدى هذا الوضع إلى ظهور نقص في المعروض في مناطق أخرى، حيث هبطت مخزونات الفضة في المستودعات المرتبطة ببورصة شنغهاي للعقود الآجلة إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2015 خلال الشهر الماضي. في المقابل، تتركز كميات كبيرة من الفضة المتاحة عالميًا في نيويورك، مع ترقب المتداولين نتائج تحقيق تجريه وزارة التجارة الأمريكية حول ما إذا كانت واردات المعادن الحيوية تشكل خطرًا على الأمن القومي، وهو تحقيق قد يمهد الطريق لفرض رسوم جمركية. تتمتع الفضة، بخلاف الذهب، بخصائص عملية واسعة الاستخدام تجعلها عنصرًا أساسيًا في العديد من الصناعات، مثل الألواح الشمسية ومراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات. ومع وصول المخزونات إلى مستويات قريبة من أدنى مستوياتها التاريخية، تزداد مخاطر حدوث نقص في الإمدادات قد يؤثر على قطاعات صناعية متعددة.

إشارات فنية وتحركات الأسعار

يرى محللون أن المحرك الرئيسي مؤخرًا كان اختلالًا هيكليًا حادًا بين العرض والطلب، ما أدى إلى سباق محموم للحصول على الفضة المادية. ويؤكد هؤلاء أن المشترين باتوا يدفعون علاوة تقارب 7% للتسليم الفوري مقارنة بالانتظار لمدة عام كامل. في المقابل، تشير المؤشرات الفنية إلى أن موجة الصعود ربما كانت سريعة ومفرطة، حيث سجل مؤشر القوة النسبية للفضة على مدى 14 يومًا قراءة تجاوزت 76 نقطة، وهي أعلى من مستوى 70 الذي يُعد إشارة إلى تشبع الشراء. تراجعت الفضة في التعاملات الفورية بنسبة 3.4% إلى مستوى 76.5 دولارًا للأونصة بحلول الساعة 11:17 صباحًا بتوقيت الرياض، بعدما سجلت في وقت سابق من الجلسة مستوى قياسيًا بلغ 83.98 دولارًا. وانخفض الذهب بنسبة 1% إلى 4,486 دولارًا للأونصة، بعد أن كان قد سجل ذروة تاريخية عند 4,549.92 دولارًا يوم الجمعة. كما هبط البلاتين بنسبة 6.8%، وتراجع البلاديوم بنسبة 13%.