لم يكن عام 2025 مجرد عام لتحديث الأجهزة والبرمجيات، بل كان نقطة تحول نوعية في المشهد التقني العالمي؛ فقد انتقل الذكاء الاصطناعي من مرحلة المساعد الذي يُجيب عن الأسئلة إلى مرحلة “الوكيل المستقل” القادر على التنسيق والتخطيط وتنفيذ مهام معقدة متعددة الخطوات بشكل ذاتي.
وقد فرض هذا التحول الوكيلي تغييرات جذرية، بدءاً من تطوير نماذج اللغة الصغيرة للتشغيل محلياً على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وصولاً إلى الحاجة الملحة لشبكات الجيل الخامس المعزز وشبكات الجيل السادس لضمان اتصال فائق السرعة.
نستعرض في هذا الموضوع أهم الابتكارات التي هيمنت على العام، بما في ذلك التحديات الاقتصادية لأسعار ذاكرة الوصول العشوائي للكمبيوترات نتيجة تحول المصانع نحو مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، والتطورات المذهلة في قطاع الألعاب الإلكترونية، ودور المملكة العربية السعودية الرائد في تسخير الذكاء الاصطناعي لبناء مدن المستقبل.
قفزات متسارعة للذكاء الاصطناعي
شهد عام 2025 تحولاً نوعياً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد التركيز مقتصراً على نماذج اللغة الكبيرة فحسب، بل اتجه نحو بناء الأنظمة الذكية المستقلة التي تعمل كوكلاء رقميين. انتقل الذكاء الاصطناعي من مرحلة المساعد الذي يُجيب على الأسئلة إلى مرحلة الوكيل القادر على التنسيق والتخطيط وتنفيذ مهام معقدة متعددة الخطوات بشكل ذاتي، وتقديم توصيات تنفيذية دون تدخل بشري مستمر.
تصدرت شركات مثل “أوبن إيه آي” و”أنثروبيك” و”غوغل” و”مايكروسوفت” سباق تطوير هذه القدرات الوكيلية، حيث أتاحت منصاتها للمطورين إنشاء “وكلاء أعمال” مخصصين يتكاملون مع أنظمة المؤسسات لأتمتة العمليات الروبوتية وحل المشكلات المعقدة في مجالات مثل خدمة العملاء وإدارة المخاطر.
تشمل أهم التطورات والخدمات المبتكرة في الذكاء الاصطناعي:
-
الذكاء الاصطناعي الوكيلي: أنظمة ذكاء اصطناعي ذاتية التوجيه يمكنها التخطيط وتنفيذ سلاسل من الإجراءات لتحقيق هدف محدد، غالباً ما يتطلب التفاعل مع أدوات وبيئات خارجية متعددة. قدمت مايكروسوفت تحديثات قوية لأداتها “كوبايلوت” ليعمل كوكيل مكتمل في بيئات “مايكروسوفت 365″، حيث يمكنها التخطيط لاجتماع وتحليل وثائق سابقة وصياغة جداول الأعمال وإرسال الدعوات بشكل مستقل. كما ركزت شركات ناشئة متخصصة على توفير أطر عمل للوكلاء لمساعدة الشركات الكبرى في أتمتة مهام تقنية المعلومات المعقدة وإدارة الأمن السيبراني.
-
الذكاء الاصطناعي التوليدي ونماذج اللغة الصغيرة: تزايدت دقة وقوة النماذج التوليدية متعددة الوسائط التي تعالج النصوص والصور والفيديو، بالإضافة إلى ظهور وانتشار نماذج اللغة الصغيرة. تتميز هذه النماذج بكونها أصغر حجماً وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، ما يجعلها مثالية للتشغيل مباشرة على الهواتف الذكية والأجهزة الصغيرة، ما يضمن خصوصية أفضل واستجابة أسرع. أطلقت “غوغل” سلسلة جديدة من نماذج “جيما 2” الأصغر حجماً والمحسنة للعمل على أجهزة المستخدمين، بينما استمرت “ميتا” بنموذجها “لاما 3.1 8 بي” في توفير خيار قوي ومفتوح المصدر للشركات التي تسعى للتطبيقات الطرفية.
الاتصال والتفاعل: شبكات الجيل الجديد والدمج الذكي
كان محور التطور في هذا المجال هو تحقيق اتصال فائق السرعة وزمن استجابة يقترب من الصفر، وهو شرط أساسي لنجاح تطبيقات الذكاء الاصطناعي الوكيلي والحوسبة المكانية. شهد هذا القطاع دمج الذكاء الاصطناعي بعمق داخل شبكات وأجهزة الاتصال نفسها، ما جعل الأجهزة أكثر استقلالية وقدرة على فهم سياق المستخدم والبيئة المحيطة.
بدأ العمل على إطلاق شبكات “6 جي” فائقة السرعة بدعم للذكاء الاصطناعي. استثمرت شركات الاتصالات الكبرى بشكل كبير في تقنية “تقسيم الشبكة” لتقديم خدمات مخصصة للشركات، بهدف ضمان مستويات جودة خدمة محددة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الحرجة، بينما قادت شركات تصنيع المعدات مثل “إريكسون” و”هواوي” الأبحاث في دمج قدرات الاستشعار في شبكات الجيل التالي.
- إنترنت الأشياء الذكي: لم تعد أجهزة إنترنت الأشياء مجرد أجهزة استشعار بسيطة، بل أصبحت مزودة بنماذج ذكاء اصطناعي خفيفة تمكنها من معالجة البيانات واتخاذ القرارات محلياً دون الحاجة للرجوع المستمر إلى السحابة. أطلقت “سيمنز” و”جنرال إلكتريك” منصات إنترنت الأشياء مدعومة بالذكاء الاصطناعي تستهدف القطاع الصناعي، تجمع بين أجهزة الاستشعار والحوسبة الطرفية ونماذج تعلم الآلة للتنبؤ بأعطال المعدات في المصانع قبل حدوثها.
أجهزة المستخدمين: الذكاء الاصطناعي بين يديك
خلال العام الحالي، لم تعد الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية مجرد وسائط، بل تحولت إلى منصات ذكاء اصطناعي شخصية ومتكاملة. تميزت الأجهزة الرائدة بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسية: قوة معالجة الذكاء الاصطناعي المحلي، والتصاميم الجديدة التي تدعم تجارب الحوسبة المكانية، وكفاءة الطاقة القصوى.
- الهواتف الذكية: عصر الهاتف الوكيل: شهدت الهواتف الذكية تحولاً من مجرد مساعد شخصي إلى “هاتف وكيل” يستطيع التخطيط وتنفيذ المهام المعقدة بشكل استباقي، مستفيداً من قوة المعالجات العصبية لتشغيل نماذج اللغة الصغيرة محلياً.
أمثلة للأجهزة والابتكارات:
- هاتف “آيفون 17 برو” عزز تكامل الذكاء الاصطناعي التوليدي في نظام التشغيل “آي أو إس 19″، مع إطلاق شريحة جديدة ذات كفاءة عالية في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بـ”آبل” محلياً، مما عزز أكثر من خصوصية المستخدم.
- هواتف “أونر” استمرت في تحدي الشركات الكبرى، مع إطلاق هاتف “ماجيك 7 برو” الذي ركز على دمج الذكاء الاصطناعي في وظائف الكاميرا والتصوير الحسابي المتقدم، وتحقيق أفضل عمر للبطارية ضمن فئة الهواتف الرائدة.
- “غالاكسي إس 25 ألترا” تميز بأداء متقدم لوحدة المعالجة العصبية بهدف دعم التصوير المتقدم وبوظائف جديدة قادرة على إدارة المواعيد والسفر والتسوق بشكل مستقل بالكامل.
الكمبيوترات المحمولة: محطات عمل للذكاء الاصطناعي
تحولت الكمبيوترات المحمولة إلى ما يسمى “كمبيوترات الذكاء الاصطناعي”، حيث أصبحت وحدة المعالجة المركزية ومعالج الرسومات ووحدة المعالجة العصبية تعمل كمنظومة متكاملة لتقديم تطبيقات ذكاء اصطناعي محلية ومستمرة.
أمثلة الأجهزة والابتكارات:
- “ماكبوك برو” (إصدار “إم5”) واصلت “آبل” ريادتها في كفاءة الطاقة، حيث قدمت شريحة “إم5” التي حسنت من قدرات محركها العصبي لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي الاحترافية.
- “إتش بي إيليلت بوك” (إصدار “سنابدراغون إكس إيليت”) تميز بعمر بطارية فائق وإمكانية تشغيل نماذج لغوية كبيرة نسبياً بشكل محلي.
- سلسلة “لينوفو ثينكباد زيد” ركزت على الأمن باستخدام وحدات معالجة عصبية لإجراء مراقبة مستمرة للعمليات.
- “أسوس زينبوك إيه آي” كمبيوترات محمولة مزودة بشاشات متطورة وخدمات ذكاء اصطناعي موجهة للمبدعين.
ارتفاع غير مسبوق لأسعار ذاكرة الكومبيوترات والأجهزة الشخصية
شهد العام ارتفاعاً حاداً في أسعار ذاكرة الوصول العشوائي، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو تحول أولويات كبرى شركات تصنيع الرقائق. مع الطفرة الهائلة في الاستثمار بمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، تحولت الشركات لتكريس غالبية طاقتها الإنتاجية لتصنيع وحدات الذاكرة عالية الهامش الربحي. أدى هذا التحول إلى نقص في المعروض من شرائح الذاكرة للمستخدمين، مما دفع بأسعار الذاكرة لأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة المخصصة للذكاء الاصطناعي إلى الارتفاع بشكل ملحوظ.
تطبيقات الهاتف الجوال: الذكاء الاصطناعي يُعيد تعريف التفاعل
شهد العام تحولاً جذرياً في عالم تطبيقات الهاتف الجوال، حيث لم تعد التطبيقات مجرد أدوات، بل أصبحت واجهات متقدمة لوكلاء الذكاء الاصطناعي. تمحور الابتكار حول تسريع وتيرة الخدمات اللامركزية ودمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مباشرة في صميم تجربة المستخدم.
أبرز التطبيقات الجديدة والمزايا المطورة:
- صعود تطبيقات “الوكلاء الشخصيين”: تصدرت تطبيقات جديدة المشهد، تركز على دور الوكيل الشخصي، مثل تطبيق “فوكاس مايند” الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتخطيط مهام العمل المعقدة.
- الترجمة الفورية في “واتساب”: أضاف “واتساب” ميزة طال انتظارها، وهي خدمة الترجمة الفورية في المحادثات النصية والصوتية المباشرة.
- أدوات الذكاء الاصطناعي في “يوتيوب”: عزز “يوتيوب” أدوات المبدعين بشكل كبير من خلال الذكاء الاصطناعي.
- “إنستغرام” و”سناب”: ركزت المنصتان على دمج الواقع المعزز التوليدي.
- “تلغرام”: وسَّع خدماته لتشمل أدوات مالية قائمة على “بلوكتشين”.
- “تيكتوك”: ظلت قضية ملكية التطبيق نقطة خلاف رئيسية، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية.
أجهزة الألعاب الإلكترونية
شهد العام طفرة في قطاع الألعاب الإلكترونية مدفوعة بالقفزات النوعية في قوة الأجهزة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تصميم الألعاب.
أبرز إصدارات أجهزة الألعاب:
- “نينتندو سويتش 2”: أطلقت نينتندو جهازها المنتظر الذي جمع بين مرونة الأجهزة المحمولة وقوة الأجهزة المنزلية.
أبرز ألعاب العام
تنوعت الألعاب الكبرى التي صدرت في هذا العام لتغطي جميع الفئات، مع تركيز خاص على العوالم المفتوحة الغنية وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
أبرز الألعاب:
- Assassin’s Creed Shadows.
- Battlefield 6.
- Borderlands 4.
- Call of Duty: Black Ops 7.
- Days Gone Remastered.
- Death Stranding 2: On The Beach.
- Donkey Kong Bananza.
- DOOM: The Dark Ages.
- EA SPORTS FC 26.
- Elden Ring Nightreign.
أداء العملات الرقمية
شهدت سوق العملات الرقمية مرحلة من النضج المؤسسي والتقلب المنخفض نسبياً، مما عزز مكانتها كفئة أصول راسخة. بعد الإطلاق الناجح لمزيد من الصناديق المتداولة في البورصة، شهدت عملة “بتكوين” نمواً متيناً وثابتاً.
أما عملة “إيثريوم” والمنصات المنافسة لها، فسجلت أداءً قوياً بفضل النمو الهائل في حلول الطبقة الثانية والتمويل اللامركزي. ومع ذلك، ظهر تحدٍ كبير مع انتشار العملات الرقمية للبنوك المركزية في العديد من الاقتصادات الكبرى.
أبرز الإنجازات التقنية في العالم العربي
شهد هذا العام تحقيق قفزات نوعية في البنية التحتية والتحول الرقمي في المنطقة العربية، حيث برزت المملكة العربية السعودية كقوة دافعة للابتكار.
- مشاريع ريادة الذكاء الاصطناعي في السعودية: استمرت المملكة في ترسيخ مكانتها كمركز للبيانات والذكاء الاصطناعي عبر مبادرات الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي.
- إطلاق شركة “هيوماين”: شهد العام إطلاق شركة “هيوماين” السعودية لجهازها المحمول الرائد، كأول كمبيوتر شخصي مصمم بالكامل محلياً.
- التحول الحكومي والمدن الذكية: وصلت المملكة إلى مستويات متقدمة في تكامل الخدمات الحكومية عبر منصات موحدة.
- الإنجازات الإقليمية الأخرى: واصلت الإمارات العربية المتحدة ريادتها في بناء المدن الذكية المستدامة، حيث تقدمت مدن مثل أبوظبي ودبي في التصنيف العالمي لمؤشر المدن الذكية لعام 2025.
