يستعد محمود محمد، المحامي الشاب البالغ من العمر 31 عامًا، لتجهيز شقته في منطقة 6 أكتوبر للزواج، ورغم الارتفاع الكبير في الأسعار والعبء المالي الذي يواجهه، يشعر بارتياح جزئي مع استقرار الأسواق وعدم تذبذب الأسعار بشكل يومي، حيث قال: “كنت أتوقع تراجع الأسعار بشكل أكبر، لكن الأهم هو توفر السلع والمواد، مما يوفر الوقت والجهد”.

لا يمكن إنكار شكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار، لكن هناك تحسنًا ملحوظًا في العديد من القطاعات الاقتصادية نتيجة استقرار سوق العملة، والتراجع النسبي في سعر الدولار، مما انعكس إيجابًا على حجم عمليات الاستيراد والتصدير وتوفر السلع والخدمات، وكذلك على مستوى التضخم وتوقعات تحسن الاقتصاد، وفقًا لخبراء ومتخصصين.

تراجع الدولار وتأثيره على الاقتصاد

سجل الدولار تراجعًا بأكثر من جنيهين، ليصل إلى نحو 47.5 جنيه، مقارنة بنحو 50 جنيهاً في ديسمبر من العام الماضي، وهو تراجع يتماشى مع إجمالي هذا العام، حيث انخفض الدولار بمقدار 3.24 جنيه مقابل العملة المحلية، أي ما يعادل نسبة 6.5 في المائة، لينخفض من 50.90 جنيه في بداية يناير 2025 إلى 47.66 جنيه في نهاية ديسمبر الحالي، وفقًا للبنك المركزي المصري.

استقرار سوق السلع

يرى الخبير الاقتصادي خالد الشافعي أن استقرار سوق السلع يعد من أهم آثار تراجع الدولار، حتى لو كانت التراجعات طفيفة، موضحًا: “لم نعد نشهد الاضطراب الكبير في الأسعار، حيث كان كل تاجر يسعر السلعة بسعر مختلف مع نقص الدولار في السوق الرسمية وسيطرة السوق السوداء”.

أزمة توفر السلع

عانت مصر من أزمة في توفر العديد من السلع نتيجة نقص العملة الصعبة خلال السنوات الماضية، حتى قررت الحكومة في مارس 2024 تحرير سعر الصرف، مما أدى إلى ارتفاع الدولار من 30 جنيهاً في البنوك إلى 50 جنيهاً، مع عقد صفقات استثمارية لتوفير الدولار، مما قلل من تأثير السوق السوداء التي وصل فيها سعر الدولار إلى 70 جنيهاً في بعض الأحيان.

تأثير التراجع على التضخم

أضاف الشافعي أن “تراجع الدولار انعكس إيجابيًا على صورة مصر وقدرتها على السيطرة على العملة”، مشيرًا إلى تراجع أسعار الخضراوات واللحوم والعديد من السلع، التي “لولا استقرار سوق العملة لوصل سعرها إلى أضعاف”.

تأثيرات متفاوتة على القطاعات الاقتصادية

يفرق الباحث الاقتصادي محمد رمضان بين القطاعات الإنتاجية التي تأثرت إيجابيًا بشكل سريع نتيجة التراجع النسبي للدولار، وأخرى ما زالت آثارها غير ملحوظة أو بطيئة، حيث قال: “أغلب التأثير مرتبط بأسواق الطعام المرتبطة بالاستهلاك السريع، والتي يدخل في إنتاجها مواد مستوردة، مثل سوق الدواجن واللحوم الحمراء التي تعتمد على الأعلاف المستوردة”، مشيرًا إلى أن تراجع الأسعار في هذه الأسواق هو المؤثر الرئيسي في تراجع مستوى التضخم.

التضخم في الأرقام

بلغت نسبة التضخم في نوفمبر الماضي نحو 12.3 في المائة، مقارنة بـ12.5 في المائة خلال أكتوبر. وأوضح رمضان أن “أسواقًا أخرى تحتاج إلى وقت لظهور أثر التراجع فيها، مثل السلع المعمرة والإلكترونيات والسيارات، حيث تشهد العقارات ثباتًا في الأسعار لفترات طويلة، لذا لن ينعكس التراجع النسبي للدولار عليها بشكل سريع”.

تأثير انخفاض الدولار على سوق السيارات

يتفق الباحث الاقتصادي محمود جمال سعيد مع هذا الرأي، حيث قال إن “انخفاض سعر الدولار يخفف كلفة الاستيراد، ويحد من ضغوط الأسعار على السلع المتداولة دوليًا، لكن أثره على التضخم يكون تدريجيًا بسبب دورات التسعير والمخزون وعقود توريد تمت بأسعار أعلى”.

تحديات سوق السيارات

رغم الأثر الإيجابي لاستقرار سوق العملة في مصر، إلا أن ركود السوق مع تراجع القوة الشرائية للمواطنين يحرم قطاع السيارات من الشعور بالتحسن، حيث لم يتعافَ القطاع بشكل كامل منذ أزمة كورونا، والتي ما إن انتهت حتى دخلنا في أزمة توفر الدولار، وبعدها ارتفعت أسعار الفائدة التي لا تشجع على شراء السيارات بالتقسيط.

توقعات مستقبلية

أشار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى زيادة قدرها 20 في المائة في الصادرات غير البترولية خلال الفترة المقبلة، حيث استقبلت مصر 18.8 مليون سائح هذا العام، بينما زار البلاد 15.7 مليون سائح العام الماضي. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا يتوقع الباحث محمد رمضان تراجعات كبيرة لسعر الدولار قريبًا، حيث يتوقع أن يظل يتذبذب بين 45 و50 جنيهاً، بفعل التحديات التي ما زالت تواجه الاقتصاد المصري، حتى مع انتهاء العام المالي المقبل من شروط صندوق النقد.