صدى نيوز – بعد سنوات من التهميش، دخلت صناديق التحوط المتخصصة في العملات المشفرة عام 2025، آملة في تحقيق طفرة حقيقية. كان من المتوقع أن تسهم القواعد التنظيمية الجديدة، ودعم البيت الأبيض، ومليارات الدولارات من رؤوس الأموال المؤسسية، في تحويل سوق العملات المشفرة من نطاق هامشي إلى سوق رئيسية. لكن العام الحالي كشف، بدلاً من ذلك، عن قسوة هذا السوق وعدم تسامحه، حتى مع محترفين صُممت استراتيجياتهم خصيصاً للاستفادة من التقلبات.

تدهور العملات المشفرة

حتى نهاية نوفمبر الماضي، تراجعت صناديق تراهن على اتجاه الأسعار، التي تهدف لتحقيق أرباح من التحركات السعرية الكبيرة في بتكوين وغيرها من العملات المشفرة الكبرى، بنحو 2.5%، وهو أسوأ مسار لها منذ شتاء القطاع في 2022، عندما تكبدت العديد منها خسائر تجاوزت 30%، وفقاً لبيانات “كريبتو إنسايتس غروب”. أما الاستراتيجيات الأساسية، واستراتيجيات الاستثمارات الضخمة في العملات البديلة، فتراجعت بنحو 23% بعد موجات هبوط كبيرة. في المقابل، لم تتمكن من تحقيق مكاسب ملموسة سوى الصناديق المحايدة للسوق، التي لا تتعقب اتجاهات السوق، والتي سجلت ارتفاعاً بنحو 14.4%.

تأثير موجة صعود بتكوين

وفرت موجة صعود بتكوين في مطلع 2025 حركة سعرية وفيرة، إلا أن جزءاً كبيراً منها جاء على شكل اندفاعات كبيرة في فترات كانت السيولة فيها ضعيفة. هذه التحركات السريعة صعبت على العديد من الصناديق تعزيز مراكزها الاستثمارية أو الخروج منها بسلاسة. في الوقت نفسه، أعادت التدفقات المؤسسية -عبر الصناديق المتداولة في البورصة والمنتجات المهيكلة- تشكيل ساحة التداول، حيث دعمت شركات “وول ستريت” حضورها في أسواق العملات المشفرة، ما أدى إلى تضييق فروق الأسعار وتقويض فرص المراجحة التي كانت مربحة في السابق.

تحديات صناديق التحوط

ما تزال صناديق التحوط في العملات المشفرة قطاعاً متخصصاً ومتشظياً، بينما يدير عدد قليل من اللاعبين الكبار مبالغ كبيرة، يبقى معظمها صغير الحجم. تُقدّر الأصول الإجمالية عبر استراتيجيات نشطة تستجيب سريعاً لتغيرات السوق بما يتراوح بين 12 و15 مليار دولار، وفقاً لشركة “كريبتو إنسايتس غروب”، في حين لا يتجاوز حجم الصندوق النموذجي نحو 30 مليون دولار. حتى قبل انهيار أكتوبر الماضي، كانت العديد من الصناديق تعاني، إذ فشلت العملات البديلة في تحقيق ارتداد خلال مضاربات الصيف الماضي، ولم تحظَ الإصدارات الجديدة من الرموز بزخم يُذكر، كما ظل الطلب من المستثمرين الأفراد ضعيفاً.

أحداث أكتوبر المفاجئة

جاء يوم 10 أكتوبر الماضي، ليشهد أحد أسرع أحداث تصفية الأصول في تاريخ العملات المشفرة القصير. بعد أيام فقط من تسجيل بتكوين مستوى قياسياً جديداً، أدى تعهد حملة دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية 100% على البضائع الصينية إلى هبوط سعري 14%. وخلال ساعات، مُحيت مراكز استثمارية اعتمدت على الاستدانة تُقدّر بنحو 20 مليار دولار. بالنسبة إلى توماس كلاديك، المدير الإداري في “فورتيوس”، اندلعت الفوضى وهو على متن الطائرة، حيث كان يتابع بعض الحسابات المُدارة، وفي منتصف الرحلة بدأ كل شيء ينهار.

تقلبات السوق وتأثيرها

أوضح يوفال رايزمان، مؤسس “أتيتلان أسيت مانجمنت”، أن هذا العام اتسم بما وصفه بـ”تقلبات ترمب”، حيث شهدت الصناديق التي تتعقب اتجاهات السعر، تبخر معظم مكاسب العام الحالي في فترة تداول واحدة. أما النماذج الكمية التي تركز على العملات البديلة، فقد تعرضت لما وصفه عدة مديرين بـ”محوٍ شامل”. لم تقتصر الأضرار على الأسعار، بل ظهرت تصدعات في بنية السوق التحتية للعملات المشفرة، حيث اختفت السيولة وتعطلت الضمانات أثناء التداول.

استراتيجيات العودة إلى المتوسط السعري

كانت استراتيجيات العودة إلى المتوسط السعري للعملات البديلة الأكثر تضرراً، حيث هوت عشرات الرموز بأكثر من 40% خلال ساعات، ما فاق قدرة هذه النماذج على التحمل. أوضح كاتسبر شافرن، مؤسس “إم سكويرد”، أن انكشافهم على هذه الاستراتيجيات كان محدوداً نسبياً، وقد خرجوا منذ ذلك الحين بالكامل من تلك التي تعتمد بشكل مفرط على عمق دفاتر أوامر العملات البديلة. تراجع صندوق “إم سكويرد” 3.5% في أكتوبر الماضي، لكنه تعافى ليسجل مكسباً 1.6% الشهر الماضي.

البنية التحتية للعملات المشفرة

أظهر الانهيار بوضوح وجود بطء في نضوج البنية التحتية للعملات المشفرة، حيث تعطلت وصلات التداول وتراجع صناع السوق. مع غياب أدوات وقف التداول أو المقاصة المركزية، تفاقمت الخسائر. قال بيتر كوسا، رئيس النمو في “سيغيل فاند”، إننا نرى بالتأكيد سيولة أقل وتقلبات أعلى بعد 10 أكتوبر. بحلول نهاية العام، خفضت العديد من الصناديق تعرضها للعملات البديلة واتجهت نحو التمويل اللامركزي، حيث ما تزال حالة التشظي والعوائد توفر فرصاً للاستثمار.

فرص الاستثمار في التمويل اللامركزي

حققت صناديق التمويل اللامركزي والصناديق التي تركز على العائدات مكاسب بنحو 12%، ما يُعد نتيجة جيدة في عام صعب، لكنها تظل مقيدة بتحديات تقنية وسعة محدودة. اختتم شافرن قائلاً: “قد لا يعود بعض المشاركين في السوق بالقوة نفسها في أي وقت قريب، وهذا سيؤدي حتماً إلى إعادة ترتيب قواعد اللعب”.