في خطوة أثارت الكثير من التساؤلات حول معايير الشفافية والكفاءة داخل السلطة في عدن، أصدر فرج سالمين البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، قرارًا بإعفاء مدير مكتبه، الأستاذ ناصر أحمد القرزي، من منصبه، وذلك لأسباب لم تُعلن رسميًا.

جاء القرار بشكل مفاجئ، ليعيد تسليط الضوء على ما يراه المراقبون ممارسات “المحسوبية” و”المحاصصة” التي تتبعها قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، في توزيع المناصب، حيث غالبًا ما تعتمد على الولاء الشخصي والانتماء العائلي بدلاً من الكفاءة والخبرة.

الأكثر إثارة للجدل في هذا القرار لم يكن الإعفاء نفسه، بل التكليف الذي تلاه مباشرة، حيث نصت المادة الثانية من القرار على تكليف “سالم مبروك البحسني” بتسيير مهام مدير المكتب بشكل مؤقت، ولم يخفَ على المراقبين أن المكلّف الجديد هو قريب لعضو مجلس القيادة الرئاسي، مما فُسّر على أنه تجسيد واضح لسياسة تعيين الأقارب في المناصب الحساسة، وهو ما يعرف إعلاميًا بـ “المحسوبية”.

هذه الخطوة تعزز النقد الموجه للمجلس الانتقالي، الذي يُتهم باستخدام مؤسسات الدولة لترسيخ نفوذه وتعزيز شبكة مصالح خاصة به، متجاوزًا معايير الاستحقاق والمؤهلات المهنية، مما يثير حفيظة الكوادر الوطنية ويساهم في تآكل الثقة في إدارة الدولة.

يأتي هذا القرار في سياق دور فرج البحسني المزدوج والمثير للجدل، فهو ليس مجرد عضو في مجلس القيادة الرئاسي، بل يشغل أيضًا منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان سياسي له أجندته الخاصة ويُنظر إليه على أنه مشروع انفصالي.

هذا التضارب في الأدوار بين كونه عضوًا في سلطة ائتلافية ومسؤولًا في كيان يسعى لتقويض هذه السلطة لصالح مشروع سياسي خاص، يجعل قراراته، مثل قرار الإعفاء والتكليف الأخير، محل شك حول الهدف الحقيقي منها، هل هي خدمة للمصلحة العامة أم لتعزيز نفوذ تيار سياسي معين وترسيخ سيطرته على مفاصل الدولة في عدن.

من المتوقع أن يزيد هذا القرار من حدة الانتقادات الموجهة للمجلس الانتقالي، ويعمق الشعور بالإحباط لدى أبناء المحافظات الجنوبية الذين يتطلعون إلى دولة مؤسسات وقانون، لا إلى دولة “المليشيات” التي تديرها قيادات عسكرية وسياسية وفق مصالحها الفئوية.

كما أن إلزام القرار لكافة الجهات ذات العلاقة بتنفيذه يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية هذه الجهات وقدرتها على رفض مثل هذه القرارات التي قد تفتقر إلى الأساس القانوني أو المهني السليم.

في النهاية، يظل قرار الإعفاء والتكليف الذي أصدره فرج البحسني مجرد غيض من فيض، وكاشفًا عن جزء من الممارسات التي تعيق مسار بناء الدولة وتفاقم أزمة الثقة بين المواطنين والسلطات القائمة، والتي يبدو أنها لا تزال أسيرة منطق المحاصصة والولاءات الضيقة.