راجعوا مناف/">الخرائط التي تمثل اليمن خلال العشرين سنة الماضية، هتلاقوا إن ثلث مساحة البلاد كانت محسوبة كمناطق انتشار لتنظيم القاعدة، خصوصًا في المنطقة الشرقية اللي فيها النفط والغاز، من شمال شرق حضرموت لحد أطراف شبوة غربًا وأبين جنوبًا مع تمدد نحو مأرب.

دلوقتي، وبقدرة قادر، تغيرت الخريطة فجأة بسبب تغيير السيطرة العسكرية وخروج المنطقة العسكرية الأولى من هضبة وصحراء حضرموت.

وجود وانتشار التنظيمات الإرهابية واختفاؤها في الواقع مش زي ما هو موضح في الخرائط، الحالة الإرهابية اللي موجودة بالفعل مش مجرد حبر رمادي داكن بيتمدد أو يختفي على الخريطة، بل هي ديناميكية اجتماعية وسياسية واقتصادية تتجذر وغياب يسري وفق قوانين أعقد من مجرد رسم الخرائط، وبالتالي الخرائط مش بريئة.

الخرائط سلطة، واللي بينتجها معتمد على نقطتين، أولًا إن الخرائط مش الواقع، إنما تصور ذهني عنه، وثانيًا إنه واثق إنه مفيش حد هيراجع أو يعترض، وبالتالي يقدر اللي بينتج الخرائط يشكل سلطة رمزية، ومن خلال السلطة دي يقدر ينتج دلالات قابلة للتوظيف وصنع رأي وتشكيل صورة قوية في الأذهان.

معظم الخرائط المتداولة من إنتاج مؤسسات غربية، وإذا ما كانتش أمريكية أو أوروبية، فهي بالتأكيد مش من إنتاج مؤسسات بحثية أو إعلامية يمنية، بل إن خارطة الانتشار والسيطرة في اليمن خلال الحرب الحوثية اللي كانت متداولة على ويكيبيديا كانت بتوقيع شخص إيراني.

دخلت المؤسسات الإعلامية العربية في إنتاج خرائط لكنها أعادت إنتاج ما هو شائع، ومش أنتجت خرائط هي نتاج جهدها ومعلوماتها الخاصة، كنوع من الكسل المعرفي أو استسهال إلصاق تهمة الإرهاب بالشعب.

كيف حصل ده؟ أولًا غياب إنتاج المعرفة، فالخريطة في النهاية نتيجة معرفة ميدانية، وهي كمان ناقل معرفة أيقوني ورمزي، وده وجه الأهمية فيها لأنها قادرة على اختزال مشهد، لكنها كمان خليقة بجوهرانية صعبة المحو، وثانيًا إن الجميع تواطأ في الاتجار بمكافحة الإرهاب، النظام في اليمن مش كان حاسس بخطورة الوصمة دي، بل يمكن شاف فيها مكسب سياسي يناسب أحلامه.

ومثله اندفعت قوى ميليشياوية تستثمر في الملف ده، منها الحوثية والانتقالي، وكلهم يتجاهلوا حقيقة إن مكافحة الإرهاب بوصفها توجيه إرشادي ظرفي في جوهرها هتختفي مع نفاد رصيد الاستعمال.

منذ أيام، انفجرت الخرائط اللي بتفصل اليمن لشطرين في كل المواقع والصحف والقنوات الإخبارية، الخرائط دي ماضوية وبالتالي مش دقيقة ومش هتساعد على فهم التحولات اللي حصلت في اليمن خلال الثلاثين سنة الماضية، الخريطة بتقول إن اليمن انقسمت، لكنها بتسأل: متى هيكون الانفصال؟ في حقيقتها، الخرائط دي بتعمل على تهيئة الذهن العام لانفصال لسه مساره طويل، لذا، الخرائط مش بريئة