أظهرت دراسة علمية حديثة أن الدماغ لديه قدرة مذهلة على استعادة وظائفه بعد التعرض لإصابات قوية، حيث تعتمد الخلايا العصبية السليمة على آلية تعويضية تساعدها في إعادة بناء التواصل العصبي، وتسمح هذه العملية بعودة الإشارات العصبية للعمل تدريجيًا حتى في الحالات التي يحدث فيها تلف واضح بالمسارات العصبية الأساسية، وتشير النتائج إلى أن التعافي لا يحدث بنفس الكفاءة بين الجنسين، مما يفتح المجال لفهم أعمق لآليات الشفاء العصبي.

وفقًا لورقة بحثية نشرت في مجلة JNeurosci، قام فريق من جامعة جونز هوبكنز بإجراء تجارب على الفئران لدراسة تأثير إصابات الدماغ الرضية على الجهاز البصري، الذي يعتمد على نقل الإشارات من خلايا العين إلى الدماغ لتمكين الرؤية، وأوضحت الدراسة أن تعرض هذا الجهاز للتلف يؤدي إلى انقطاع التواصل العصبي، مما يؤثر مباشرة على القدرة البصرية.

خلال متابعة ما يحدث بعد الإصابة، لاحظ الباحثون أن التعافي لم يكن ناتجًا عن نمو واسع لخلايا عصبية جديدة كما كان يُعتقد سابقًا، بل كان نتيجة تكيف الخلايا العصبية التي نجت من الإصابة، حيث بدأت هذه الخلايا في تكوين فروع إضافية سمحت لها بالاتصال بعدد أكبر من الخلايا العصبية داخل الدماغ، وهي عملية تعرف بالتفرع العصبي.

ساهم هذا التفرع في تعويض الخلايا التالفة وإعادة بناء المسارات العصبية بين العين والدماغ تدريجيًا، حتى عاد عدد الاتصالات العصبية إلى مستويات قريبة مما كانت عليه قبل الإصابة، ولم يقتصر الأمر على إعادة التوصيل من الناحية الشكلية فقط، بل أظهرت قياسات نشاط الدماغ أن هذه المسارات الجديدة تعمل بكفاءة وتنقل الإشارات العصبية بشكل طبيعي.

كشفت الدراسة عن فروق واضحة بين الذكور والإناث في سرعة وكفاءة التعافي، حيث أظهرت ذكور الفئران استجابة أسرع وأكثر اكتمالًا من خلال التفرع التعويضي، بينما كان تعافي إناث الفئران أبطأ، وفي بعض الحالات لم تعد الاتصالات العصبية إلى مستوياتها الطبيعية قبل الإصابة، وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تسلط الضوء على وجود آليات تعافي مختلفة باختلاف الجنس، وهو ما يتماشى مع ملاحظات سريرية لدى البشر، حيث تعاني النساء غالبًا من أعراض أطول مدة بعد الارتجاج أو إصابات الدماغ مقارنة بالرجال.

يرى الفريق البحثي أن فهم أسباب تأخر أو ضعف عملية التفرع العصبي لدى الإناث قد يساعد مستقبلاً في تطوير طرق علاجية أكثر فاعلية، وينوي الباحثون مواصلة دراستهم للكشف عن العوامل البيولوجية التي تتحكم في هذه الفروق بين الجنسين، على أمل الوصول إلى استراتيجيات جديدة تعزز التعافي العصبي بعد إصابات الدماغ المختلفة، سواء كانت ناتجة عن ارتجاجات أو صدمات عصبية أخرى.