الدعم الخارجي يُعتبر من أهم العوامل التي تضعف الشرعية القانونية لأي كيان انفصالي، فهو لا يقتصر على تقليل فرص الاعتراف الدولي بل يجعل هذا الاعتراف غالبًا شبه مستحيل، وهذا الحكم يستند إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي تهدف إلى تنظيم العلاقات بين الدول وحماية النظام الدولي من التفكك الناتج عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.
ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية، الفقرة السابعة، ينص على أنه لا يوجد ما يبرر للأمم المتحدة التدخل في المسائل التي تخص السلطات الداخلية للدول، وبما أن مسألة الانفصال تُعتبر شأنًا داخليًا بحتًا، إلا في حالات استثنائية تتعلق بتقرير المصير في حالات الاستعمار أو الاحتلال، فإن أي دعم خارجي لحركة انفصالية يُعتبر تدخلًا غير مشروع، وهذا يتماشى مع ما ورد في المادة الثانية، الفقرة الرابعة، من الميثاق الذي يحظر على الدول التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، حيث يُعتبر الدعم العسكري للانفصاليين، حتى لو كان غير مباشر، استخدامًا للقوة عبر وكلاء يهدف إلى تقويض وحدة الدولة الإقليمية، مما يُعد انتهاكًا واضحًا لحظر استخدام القوة في القانون الدولي.
هذا الأساس القانوني يتكامل مع ما نص عليه إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية بين الدول لعام 1970، الذي يلزم الدول بعدم تنظيم أو تشجيع أو تمويل أو تقديم أي شكل من أشكال المساعدة لأنشطة تهدف إلى تفكيك السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية لدولة ذات سيادة، ومن هذا المنطلق، لا يُنظر إلى الدعم الخارجي كعنصر محايد، بل كعامل يُلوّث الشرعية القانونية للكيان الانفصالي منذ نشأته ويضعه في تعارض مع النظام الدولي القائم.
تتفاوت درجة تقويض الشرعية حسب طبيعة الدعم الخارجي ومستواه، فالدعم الدبلوماسي، مثل التصريحات السياسية أو الاتصالات الرسمية، له أثر قانوني محدود، لكنه يثير إشكالية سياسية، بينما الدعم المالي والاقتصادي يزيد من الإشكالية القانونية لأنه يُمكّن كيان غير معترف به من أداء وظائف سيادية بشكل مصطنع، ويزداد الأثر القانوني خطورة عند تقديم الدعم اللوجستي كالتدريب أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، حيث يتحول الكيان الانفصالي إلى أداة تنفيذية لقوة خارجية، ويصل هذا التقويض إلى ذروته في حالة الدعم العسكري غير المباشر عبر التسليح والمستشارين، حيث يصبح الانفصال قائمًا على استخدام القوة بالوكالة، أما التدخل العسكري المباشر بوجود قوات أجنبية أو تنفيذ عمليات قتالية فيُعتبر عاملًا حاسمًا يُبطل أي ادعاء بالشرعية ويجعل الكيان الناتج عنه نتاج احتلال فعلي.
السوابق التاريخية تؤكد هذا المسار القانوني بوضوح، ففي شمال قبرص، أدى التدخل العسكري التركي المباشر عام 1974 وما تلاه من إعلان “جمهورية شمال قبرص التركية” عام 1983 إلى خلق كيان قائم على الاحتلال العسكري والتمويل الاقتصادي والاستيطان من دولة أجنبية، وقد قوبل هذا الإعلان برفض دولي شبه مطلق، كما يتضح من قراري مجلس الأمن 541 لعام 1983 و550 لعام 1984، اللذين أدانا الإعلان ودعوا إلى احترام وحدة قبرص وسحب القوات الأجنبية، وبعد أكثر من أربعة عقود لا يزال هذا الكيان معزولًا دوليًا ولا يحظى بأي اعتراف سوى من الدولة الداعمة.
وفي حالة إقليم ترانسنيستريا في مولدوفا، أُعلن الانفصال عام 1990 بدعم روسي شامل تمثل في الوجود العسكري والدعم المالي، ورغم هذا الدعم الكامل لم يحصل الإقليم على أي اعتراف دولي، بل إن روسيا نفسها امتنعت عن الاعتراف به قانونيًا، بينما بقي الكيان معزولًا دوليًا لعقود يُنظر إليه كدولة دمية فاقدة للاستقلال الحقيقي، مما يبرز عجز الدعم الخارجي عن إنتاج شرعية قانونية.
وتتكرر النتيجة ذاتها في جورجيا، حيث أدى التدخل العسكري الروسي عام 2008 إلى انفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية والاعتراف بهما من قبل روسيا، ورغم الاحتلال والتمويل الكامل لم يتجاوز عدد الدول المعترفة بهذين الكيانين خمس دول فقط، بينما لا تزال الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي يعتبرانهما أراضي جورجية محتلة، وهذا يكشف أن دعم قوة عظمى وعضو دائم في مجلس الأمن لا يكفي لتجاوز القواعد الأساسية للنظام الدولي.
تخلص هذه المعطيات إلى أن القانون الدولي، رغم كونه نتاج توازنات سياسية، لا يزال متمسكًا بمبدأ حماية السلامة الإقليمية للدول واحترام سيادتها، فالدعم الخارجي لا يُنتج شرعية للكيانات الانفصالية بل يحولها إلى كيانات مشكوك في استقلالها، ويجعلها أقرب إلى أدوات نفوذ لقوى خارجية، لذا فإن أي مشروع انفصالي يعتمد على دعم خارجي، خاصة إذا كان عسكريًا، يحمل في بنيته بذور فشله القانوني، ويضع نفسه في مواجهة شبه حتمية مع النظام الدولي القائم.

التعليقات