قبل عدة أشهر، أرسلت لنائب رئيس المجلس الرئاسي الدكتور عبدالله العليمي حفظه الله بيت شعر يقول:

“إذا كُنتَ ذا رأيٍ فكُن ذا عزيمةٍ، فإنَّ فـسـادَ الــرأيِ أن تـتـرددا”.

لم تكن الرسالة مجرد كلمات، بل كانت تعبيرًا دقيقًا عن حال الدكتور، وقد تريثت كثيرًا ودرست مواقفه جيدًا، ووجدت أنه عبقري يمتلك إدراكًا ومعرفة كبيرة، وهو من أنضج السياسيين اليمنيين، لكنه يفتقر للإقدام والوضوح.

الجميع يعرف موقفه، لكنه يتجنب التصريح به، يدرك الجميع اتجاهه، لكنه لا يظهر في العلن، يتحمل الضريبة دون أن يحقق أي مكسب، ويعتقد أن التواري غنيمة، وهو في الحقيقة فضيحة.

في اليوم الأول من اقتحام قوات الانتقالي لسيئون، كان الدكتور يثني على الإمارات ودعمها للشرعية، وقبل يومين صرح الناطق باسم المجلس الانتقالي بأن الدكتور عبدالله العليمي لم يعترض على تحركاتهم، وكان ينبغي عليه أن ينفي هذا الاتهام، لكنه لم يفعل، والحقيقة أن ما قاله المتحدث صحيح، وهذا يعرفه من يتابع المواقف.

بعد هذا التصريح، التقى الدكتور بالسفيرة البريطانية، وغردت السفيرة بصورة اللقاء، وأكدت على وحدة اليمن، ولم يصدر عن الدكتور أو منصاته أي خبر عن اللقاء، بل لم يشارك حتى في إعادة تغريد التغريدة، رغم أنها أشارت إلى حسابه.

ما قيمة الموقف إن لم يأتِ في وقته يا دكتور؟

قبل أن أكتب، وضعت عدة احتمالات لما يمكن أن يحدث إذا خرج الدكتور وقال رأيه بوضوح، ولم أجد أي مخاطرة.

بل حسبت المصالح العامة والشخصية، فوجدت أن اختباءه لا يفيده، وأن ظهوره يحقق له مكاسب سياسية وشخصية.

حتى إذا كان هناك مخاطرة، فإن الحياة موقف، والمسؤولية الوطنية والأخلاقية تتطلب منه التحرك، مهما كانت المخاطر.

لن أستفيض في حال الدكتور عبدالله، وعندي الكثير من الشواهد، لكن نكتفي بهذا.

ننتقل الآن إلى الأستاذ القدير عبدالرزاق الهجري، وقد تعمدت أن يكون الخطاب مباشرًا، عسى أن يكون أكثر وضوحًا.

لا يختلف اثنان على أن الأستاذ عبدالرزاق هو الوجه المشرق للإصلاح، وهو الرقم الأصعب في المعادلة السياسية، بما يتمتع به من ذكاء وخبرة سياسية طويلة، وهو صاحب مواقف واضحة.

لكن اللقاء الأخير مع فارع المسلمي لم يكن موفقًا، وظهر الأستاذ مثقلًا بحسابات وتعقيدات جعلت إجاباته تبدو وكأنها عبء.

يدرك الأستاذ حساسية المرحلة، ويعرف ما ينبغي أن يقال وما يجب أن يُترك، لكنه بدا وكأنه يمشي في حقل ألغام، وكأن الإجابات البديهية تتطلب التفافًا.

يحسب له أنه كان صادقًا في إجابته بخصوص خارطة الطريق، لكن صدق هذه الإجابة يعد فضيحة سياسية كبيرة للإصلاح.

وينطبق على الإصلاح في هذا الحال قول الشاعر:

“ويُقضى الأمر حين تغيبُ تَيْم، ولا يُـسـتأذنـون وهـم شـهودُ”.

أما الصدمة في اللقاء فهي التهوين مما يقوم به الانتقالي، ورفضه وصف الأمر بالانقلاب، واعتبار الموضوع مجرد خلاف سياسي.

وهذا توصيف يحمل من التهرب ما يجعلك تسابق أسرع عداء، ويجعل حتى عيدروس يستغرب.

هناك صدمة أخرى، لكنها متوقعة من قيادات الإصلاح، فقد اعتادوا مدح جلاديهم، لكن تمنيت أن تأتي من غير الأستاذ عبدالرزاق، وأعتبرها طعنة في الظهر.

الطعنة هي الثناء على الإمارات وتبرئتها من الغدر، وعدم تحميلها مسؤولية الدماء التي تنزف حتى الآن.

اعذرني يا أستاذ، هذه ليست مجاملة سياسية، بل تكريم للقاتل، وتنازل عن دماء وأموال وكرامة الناس.

إذا كانت هذه المجاملات تنفع، لنفعتنا مجاملة اليدومي قبل ثمان سنوات، حين دافع عن الإمارات.

لم تتراجع الإمارات، بل زادت من تحركاتها، وستبقى تغريدة اليدومي عارًا يلاحقنا.

إذا كنا نسمي ثناء طارق والانتقالي على الإمارات خيانة، فماذا يمكن أن نسمي من يثني عليها وهي تقتله؟

وعلى ذكر اليدومي، سيذكر التاريخ أن هذا العملاق لا يحسن اختيار المواقف، فهو يقول مواقف جيدة في أوقات سيئة.

حتى لا أطيل، سأكتفي بهؤلاء الكبار، فهم نموذج واضح لكيف يعمل الإصلاح، وأتمنى أن تجد هذه الرسالة طريقها، وكلي ثقة أن لا أحد سيأخذ الموقف بشكل شخصي، فهو غضب الصاحب ونصح الصادق.

ما سبق رسالة إلى قادة الإصلاح، وأما رسالة المتنبي فهي:

“يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ، وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ”.