في خطوة وُصفت بأنها “ضربة قاصمة لمستقبل الطب اليمني”، أطلقت مليشيا الحوثي، التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في شمال البلاد، “أكاديمية الأقصى للعلوم الطبية والتطبيقية”، هذه المؤسسة الجديدة حصلت على ترخيص رسمي من سلطات الأمر الواقع، وتمنح نفسها الحق في تدريس العلوم الطبية باللغة العربية، في تحدٍ صارخ للمعايير الأكاديمية الدولية التي تعتبر اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم والتطور الطبي.

هذا القرار أثار مخاوف وتحذيرات في الأوساط الأكاديمية والطبية، حيث يعتبرونه مشروعًا لإنتاج كادر طبي ضعيف ومسيّس، مما قد يؤثر سلبًا على صحة الملايين من اليمنيين، وكشفت مصادر أكاديمية موثوقة عن تفاصيل المشروع الذي أعدته المليشيا بعناية، حيث إن “أكاديمية الأقصى” ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى هيمنة الحوثيين على القطاع الصحي وتعبئته بعناصر موالية لهم.

المشروع يستهدف بشكل أساسي مئات من عناصر المليشيا وأنصارها الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالكليات الطبية المعترف بها بسبب ضعف مستوياتهم الأكاديمية، وبدلاً من تحسين كفاءتهم، اختارت المليشيا خلق مسار بديل يضمن لهم شهادات طبية، بغض النظر عن جودتها، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو طبيعة الكادر التدريسي الذي تم تعيينه في الأكاديمية، حيث إن غالبية هؤلاء من خريجي الجامعات السورية التي تتبع منهج التعليم الطبي باللغة العربية، وهم أكاديميون وُصفوا بأنهم “ضعيفو التأهيل”.

يكمن الخطر الأكبر في فرض اللغة العربية على التعليم الطبي، مما يقطع جسر التواصل مع المراجع العلمية العالمية، حيث إن حوالي 95% من الأبحاث الطبية والمجلات العلمية تكون باللغة الإنجليزية، ويحذر الخبراء من أن خريجي هذه الأكاديمية سيجدون أنفسهم في “عزلة علمية قاتلة”، غير قادرين على متابعة التطورات الحديثة، وهذا العزل لن يؤثر فقط على قدرتهم على العمل خارج اليمن، بل سينعكس بشكل مباشر على المرضى داخل البلاد.

أكاديمية الأقصى ليست حدثًا منفصلًا، بل هي نتيجة لسياسة ممنهجة اتبعتها المليشيا الحوثية لتخريب التعليم الطبي، حيث قامت بتخفيض معايير القبول في كليات الطب، وفتحت جامعات وكليات غير مؤهلة، وفرضت مواد نظرية ذات طابع أيديولوجي على حساب المناهج العلمية الأساسية.

في النهاية، يمثل مشروع “أكاديمية الأقصى” نموذجًا صارخًا لكيفية استخدام السلطة لتدمير المؤسسات العلمية لخدمة أهداف سياسية، حيث تعمل المليشيا على إنتاج كادر طبي ضعيف ومعزول، مما قد يؤدي إلى تداعيات كارثية على القطاع الصحي اليمني لعقود قادمة، حيث سيعاني من تراكم الكفاءات الضعيفة وفقدان الثقة العالمية بالشهادات الطبية.