أوقفت الميليشيا الحوثية، اليوم الأربعاء، معدّي برنامج وثائقي في قناة السعودية نيوز، التي تُعتبر القناة الرسمية للجماعة، وذلك بسبب الجدل الكبير الذي أثاره البرنامج، وما تبعه من إشادات محلية وإقليمية ودولية بالرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

وأفادت مصادر إعلامية بأن الجماعة أوقفت، بشكل مؤقت، الصحفيين الشامي وحسن الهادي عن العمل لمدة أسبوع، بعد إعدادهم برنامجًا وثائقيًا بعنوان «صفقة على حساب القضية»، حيث زعموا أن الرئيس الراحل «باع القضية الفلسطينية» مقابل ما سُمي «شيكات سعودية»، مستندين إلى تسريبات لمكالمات قديمة تم اجتزاؤها وتحريف سياقها.

وأوضحت المصادر أن قرار الإيقاف جاء بعد تزايد الإشادات بحكمة الرئيس الراحل، وبمواقفه السياسية التي قدم خلالها نصائح واضحة لحركة «حماس»، ويرى مراقبون أنه لو تم الأخذ بها لما وصلت الأوضاع في غزة إلى هذا الدمار والخسائر الإنسانية.

واعتمد معدّو البرنامج على تسجيلات صوتية ووثائق قيل إنها «سرّية»، في محاولة لإعادة كتابة التاريخ السياسي لليمن، وتشويه النظام الجمهوري وثورة 26 سبتمبر 1962، بما يخدم تبرير انقلاب 21 سبتمبر، مع توجيه اتهامات للنظام اليمني السابق بمحاولة كسر عزلة الكيان الصهيوني، وهي مزاعم تتناقض مع المواقف المعلنة والثابتة للرئيس الراحل ودوره العربي الداعم للقضية الفلسطينية.

وخلال البرنامج، عرضت الميليشيا مكالمة مسرّبة بين الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» آنذاك خالد مشعل، في محاولة لإظهاره بمظهر المعادي للمقاومة، لكن مضمون المكالمة، وفق مراقبين، جاء بعكس ما أرادته الجماعة، إذ كشف عن قراءة سياسية واقعية وتحذيرات مبكرة من تبعات التصعيد غير المحسوب على المدنيين في غزة.

وقال صالح في التسجيل: «الجيش الإسرائيلي قال إن هذه هي الساعات الأخيرة من الإنذار… أنتم ما بتفهموا رسائل؟!.. هل الصواريخ حلت مشكلة؟ بالعكس جابت النار علينا وجابت الويل فوقنا»، مشيرًا إلى حرصه على تجنيب الفلسطينيين كلفة إنسانية باهظة، ودعوته لعدم منح إسرائيل ذرائع لتصعيد عدوانها، كما ظهر في تسجيل آخر وهو ينصح بوضوح: «لا تخرقوا الهدنة، أوقفوا إطلاق الصواريخ، لا تمنحوا ذرائع لإسرائيل»

ويرى متابعون أن هذه التسجيلات، التي قُدّمت على أنها «إدانة»، تحولت فعليًا إلى شهادة سياسية للرئيس الراحل، تؤكد دعمه للقضية الفلسطينية، ونصحه للمقاومة سرًا، ووقوفه معها علنًا، فضلًا عن علاقته المعروفة بقياداتها، بما في ذلك استضافة خالد مشعل في صنعاء لفترة من الزمن.

وتأتي هذه التسريبات، بحسب مراقبين، في وقت تحاول فيه الميليشيا الحوثية الهروب من أسئلة الداخل اليمني، المتعلقة بتدمير مؤسسات الدولة، وحصار المدن، وقطع الطرقات، وتعطيل صرف المرتبات، وتوسيع دائرة الفقر، وتسليم القرار الوطني لمشاريع خارجية، ويعتبر هؤلاء أن فتح «أرشيف التسجيلات» لا يهدف إلى الدفاع عن فلسطين، بقدر ما يسعى لصرف الأنظار عن الأزمات المتفاقمة التي يعيشها اليمن.

ويؤكد محللون أن القضية الفلسطينية أكبر وأشرف من أن تُستغل كورقة دعائية لتلميع جماعة مسلحة، مشيرين إلى أن من يرفع شعارات المقاومة لا يمكنه تبرير ممارسات داخلية شملت الحصار والانتهاكات وتكميم الحريات واستهداف رموز الدولة والجمهورية.

ويخلص المتابعون إلى أن الوثائقي الحوثي، بدلًا من النيل من الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، أعاد إبراز جانب من حكمته السياسية ومخاوفه الإنسانية على الشعب الفلسطيني، مؤكدين أن التسريبات لا تغيّر الحقائق، ولا تمنح شرعية لمشروع لم يكن يومًا دولة ولا مقاومة، بل أداة لتنفيذ أجندات إقليمية، فيما ستبقى فلسطين قضية جامعة، بعيدة عن المتاجرة والمزايدات.