يشهد العالم تحولًا سريعًا نحو العمارة المستدامة والمباني الخضراء، حيث أصبحت هذه الأخيرة من أهم الأدوات لمواجهة استهلاك الموارد بشكل رشيد، وقد فرضت التغيرات المناخية واقعًا جديدًا يتطلب التفكير بأسلوب مختلف في تخطيط المدن وإدارة العمران واستغلال الموارد الطبيعية، ومع تزايد التوسع الحضري والزيادة في الطلب على المساكن والخدمات، أصبح من الضروري تطوير نموذج عمراني يدعم الاستخدام الفعال للطاقة والمياه، ويقلل من الانبعاثات الكربونية، ويضمن جودة الحياة للأجيال الحالية والمستقبلية.

بدأت الحكومة المصرية، ممثلة بعدد من الوزارات المعنية، في السير على النهج المتبع عالميًا، وعلى رأسها وزارة الإسكان، من خلال إطلاق وثيقة الاستراتيجية الوطنية للعمران الأخضر والمستدام، التي تهدف إلى تحويل المسار نحو التحول الأخضر وإعادة صياغة نظام التخطيط والبناء بأسس أكثر كفاءة واستدامة، تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية، وأكد عدد من الخبراء أن تبني الدولة لاستراتيجيات وطنية في هذا المجال سيواجه تحديات تتعلق بالتنافسية والتمويل، مما قد يعيق انتشار هذه التجربة على نطاق واسع.

وأشاروا إلى أن تمويل المشروعات الخضراء لا يمكن أن يعتمد فقط على الجهود التطوعية، بل يحتاج إلى وجود حوافز اقتصادية وتمويلية واضحة تشجع المستثمرين والبنوك على الانخراط في هذا المجال، كما أوضحوا أن العوامل الاقتصادية التقليدية مثل أسعار الطاقة والمياه لا ينبغي أن تكون المعيار الوحيد لتقييم جدوى هذه المباني، مؤكدين أن الأسواق العالمية تتجه نحو تبني حلول مستدامة لأسباب تتعلق بالكفاءة والتنافسية وليس فقط بالتكلفة، وأشار المهندس عماد حسن، مدير برنامج تمويل الاقتصاد الأخضر في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إلى أن البنوك لا يمكنها منح قروض بفائدة أقل إلا إذا كان هناك عائد اقتصادي أو دعم خارجي يبرر ذلك، مشددًا على أهمية الدور الذي تلعبه الجهات الدولية وشركاء التنمية في خلق بيئة تمويلية مشجعة، وأكد أن مصر بدأت بالفعل في تبني استراتيجية وطنية للبناء الأخضر، وهو ما يعكس إدراك الدولة لقيمة هذا التوجه، حيث بدأت وزارة الإسكان في تقديم تيسيرات حقيقية من خلال خفض الفوائد على أقساط الأراضي لتشجيع المطورين على الالتزام بمعايير الاستدامة.